الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)
.ذِكْرُ الْمَنْقُولِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَرَأَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فَقَالُوا: مَا الزِّيَادَةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي جَنَّتِهِ.وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ فَيَقُولُ: مَا غرك بي يابن آدَمَ؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟.وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَرَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُنَادِي أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ وَاحِدٍ مِنَ الرَّحْمَنِ تَعَالَى لَا يَحْتَجِبُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ.قَالَ أَبُو عَفِيفٍ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟ قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَخْلَصُوا لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، فَيَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّةِ.وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَذُوقُوا الْمَوْتَ.وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مُلْكِهِ أَلْفَيْ عَامٍ يُرَى أَقْصَاهُ كَمَا يُرَى أَدْنَاهُ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الدُّعَاءُ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.وَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} قال: الجنة، و(الزيادة) هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَشَخَصُوا بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَالَ: مَا صَرَفَ أَبْصَارَكُمْ عَنِّي؟ قَالُوا: الْهِلَالُ.قَالَ: فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى جَهْرَةً؟وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]: يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.وَعَنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأُدِيمَ عليهم بالكرامة جادتهم خُيُولٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ لَا تَبُولُ وَلَا تَرُوثُ لَهَا أَجْنِحَةٌ، فَيَقْعُدُونَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَأْتُونَ الْجَبَّارَ جَلَّ وَعَلَا فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَقَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ رِضَاءً لَا سُخْطَ بَعْدَهُ..ذِكْرُ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَكَعْبٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا حَمَّلَكَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ وَاسْتَحْفَظَكَ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ نَجَا أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ سُخْطِهِ، وَبِهَا وَافَقُوا أَنْبِيَاءَهُ، وَبِهَا نَضِرَتْ وُجُوهُهُمْ وَنَظَرُوا إِلَى خَالِقِهِمْ، وَهِيَ عِصْمَةٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفِتَنِ وَمِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لو علم العابثون فِي الدِّينِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا.وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إِنَّ أَشْرَفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غُدْوَةً وَعَشِيَّةً.وَقَالَ كَعْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْجَنَّةِ قَطُّ إِلَّا قَالَ: طِيبِي لِأَهْلِكِ، فَزَادَتْ ضِعْفًا عَلَى مَا كَانَتْ، حَتَّى يَأْتِيَهَا أَهْلُهَا، وَمَا مِنْ يَوْمٍ كَانَ لَهُمْ عِيدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَيَخْرُجُونَ فِي مِقْدَارِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَيَبْرُزُ لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَتُسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الْمِسْكَ، وَلَا يَسْأَلُونَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا، وَقَدِ ازْدَادُوا عَلَى مَا كَانُوا مِنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ سَبْعِينَ ضِعْفًا، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ وَقَدِ ازْدَدْنَ مِثْلَ ذَلِكَ.وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا نَعِيمَ الْجَنَّةِ.وَقَالَ طَاوُسٌ: أَصْحَابُ الْمِرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ لَا يَزَالُ بِهِمِ الْمِرَاءُ وَالْمَقَايِيسُ حَتَّى يَجْحَدُوا الرُّؤْيَةَ وَيُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ.وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقِ السَّبِيعِيِّ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.وَعَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أُعْطُوا فِيهَا مَا سَأَلُوا وَمَا شَاءُوا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْءٌ لَمْ تُعْطَوْهُ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا يَكُونُ مَا أُعْطُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يُونُسَ: 26]، بَعْدَ نَظَرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الْكَهْفِ: 110].قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ خَالِقِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا.وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَا حَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدًا عَنْهُ إِلَّا عَذَّبَهُ ثُمَّ قَرَأَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 15].قَالَ: بِالرُّؤْيَةِ.وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ؛ «إِنَّ اللَّهَ ينزل إلى سماء الدنيا» و«إن أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ» فَحَدَّثَنِي بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ فِي هَذَا، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَقَدَ أَخَذْنَا دِينَنَا هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمْ عَمَّنْ أَخَذُوا؟وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ قَبِيصَةَ: أَتَيْنَا أَبَا نُعَيْمٍ يَوْمًا فَنَزَلَ إِلَيْنَا مِنَ الدَّرَجَةِ الَّتِي فِي دَارِهِ فَجَلَسَ وَسَطَهَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَحَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، هَؤُلَاءِ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يُحَدِّثُونَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ حَتَّى جَاءَ ابْنُ يَهُودِيٍّ صَبَّاغٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يرى (يعني بشر الْمِرِّيسِيَّ قَبَّحَهُ الله)..ذكر أقول الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَطَبَقَاتِهِمْ وَمَشَايِخِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْيُنِهِمْ. وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَةِ: 23]، أَتَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَشْهَبُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ تَنْظُرُ مَا عِنْدَهُ، قَالَ: بَلْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظَرًا، وَقَدْ قَالَ مُوسَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: 143]، وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى. فَقَالَ مَالِكٌ: السَّيْفَ السَّيْفَ.وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمِاجِشُونُ وَسَأَلْتُهُ عَمَّا جَحَدَتِ الْجَهْمِيَّةُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَقَالُوا: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَحَدُوا. وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَنَضْرَتِهِ إِيَّاهُمْ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [الْقَمَرِ: 25]، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَيَجْعَلَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُخْلِصِينَ لَهُ ثَوَابًا لِيُنُضِّرَ بِهَا وُجُوهَهُمْ دُونَ الْمُجْرِمِينَ وَتَفْلُجَ بِهَا حُجَّتُهُمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَهُمْ {عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لَا يَرَوْنَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْجُبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَهْمًا وَأَصْحَابَهُ عَنْ أَفْضَلِ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ حِينَ يَقُولُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَجَحَدَ جَهْمٌ وَأَصْحَابُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ.وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التي فيها الرؤية فَقَالُوا: تَمَرُّ بِلَا كَيْفٍ.وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى خَلَفَ الْجَهْمِيِّ، وَالْجَهْمِيُّ الَّذِي يَقُولُ: لَا يُرَى رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ سَابِطٍ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْكَرَهُ رَجُلٌ فَصَاحَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ.وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرحمن (خدارا بآن جهان جون بيند) وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ يُرَى اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: بِالْعَيْنِ.وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَرَاهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَرَاهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ.وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ: الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ.وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الرُّؤْيَةِ: هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ رَوَاهَا الثِّقَاتُ عَنِ الثِّقَاتِ إِلَى أَنْ صَارَتْ إِلَيْنَا. إِلَّا أَنَّا إِذَا قِيلَ لَنَا فَسِّرُوهَا لَنَا، قُلْنَا: لَا نُفَسِّرُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَكِنْ نُمْضِيهَا كَمَا جَاءَتْ.وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: سَأَلْتُ أَسْوَدَ بْنَ سَالِمٍ عَنْ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: أَحْلِفُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقٌّ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ؛ فِيهَا مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمَّا أَنْ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا، قَالَ الرَّبِيعُ: فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ وبه أدين لله عَزَّ وَجَلَّ. وَلَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ.وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يوم الْقِيَامَةِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُونَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ.وَلِابْنِ بَطَّةَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ.وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ: أَلَيْسَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَلَيْسَ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: صَحِيحٌ.وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ-وَقِيلَ لَهُ تَقُولُ بِالرُّؤْيَةِ- فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذُكِرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْءٌ فِي الرُّؤْيَةِ فَغَضِبَ وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَهُوَ كَافِرٌ.وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ لَهُ فِي رَجُلٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا.وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَعْرِفُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: إِنِ اسْتَقَرَّ الْجَبَلُ فَسَوْفَ تَرَانِي وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَا تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؟ فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَبَيَّنَ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ قَاعِدًا وَالنَّاسُ حَوْلَهُ فَأَخَذَ نَعْلَهُ وَانْتَعَلَ وَقَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا، هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ. وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رَوَاهُ أَوْ حَدَّثَ بِهِ وَقَالَ: هَذَا جَهْمِيٌّ كَافِرٌ خَالَفَ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أَخْزَى اللَّهُ هَذَا الْخَبِيثَ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ.وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [الْبَقَرَةِ: 210]، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَقَدْ كَفَرَ.وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَالْجَهْمِيُّ كَافِرٌ.وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَطَّانُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَهْلُ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا إِذَا شَاءُوا.وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْقَوْمُ يَرْجِعُونَ إِلَى التَّعْطِيلِ فِي أَقْوَالِهِمْ، يُنْكِرُونَ الرُّؤْيَةَ وَالْآثَارَ كُلَّهَا، وَمَا ظَنَنْتُهُمْ عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُ مَقَالَاتِهِمْ.قَالَ حَنْبَلٌ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الرَّسُولِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ قَوْلَهُ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَنُقِرُّ بِهَا وَنُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ.وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي رُؤْيَةِ الدُّنْيَا.وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ.وَقَالَ حَنْبَلٌ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ.وَقَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يُنْكِرُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا، أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ، وَكَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ يُمِرُّونَهَا عَلَى حَالِهَا غَيْرَ مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ وَلَا مُرْتَابِينَ.وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشُّورَى: 52]، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مُوسَى يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَلَا يَكُونُ حِجَابٌ إِلَّا لِرُؤْيَةٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَنْ أَرَادَ يَرَاهُ، وَالْكُفَّارُ لَا يَرَوْنَهُ.قَالَ حَنْبَلٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ: «تَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ» أَحَادِيثُ صِحَاحٌ.وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ أَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ. وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يُرَى، نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَشُكُّ فِيهِ وَلَا نَرْتَابُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ، يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.قَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ قَالَ: هَذِهِ صِحَاحٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ بِهَا وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَرْنَا بِهِ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا لَمْ نُقِرَّ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعْنَاهُ رَدَدْنَا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ.قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7].وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي يَرْوُونَهَا فِي النُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ مَا هُنَّ؟ فَقَالَ: رَوَاهَا مَنْ رَوَى الطَّهَارَةَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالْأَحْكَامَ-وَذَكَرَ أَشْيَاءَ- فَإِنْ يكونوا في هذه عُدُولًا وَإِلَّا فَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْأَحْكَامُ وَبَطَلَ الشَّرْعُ. فَقَالَ: شَفَاكَ اللَّهُ كَمَا شَفَيْتَنِي. أَوْ كَمَا قَالَ. ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ.وَقَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ خَالِقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ.وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ لِلْمُزَنِيِّ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ.قَالَ: وَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا افْتَرَقَ النَّاسُ قَامَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ شَهَرْتَنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَرِّئَكَ.وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الْأَحْزَابِ: 44]: أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أن اللقاء ههنا لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَايَنَةً وَنَظَرًا بِالْأَبْصَارِ.قُلْتُ: وَاللِّقَاءُ ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالتَّوَاتُرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ صَحِيحَةٌ كَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِئْرِ مَعُونَةَ: «إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا»، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ لِقَاءَهُ» وَحَدِيثُ أَنَسٍ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ الَّتِي اطَّرَدَتْ كُلُّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، وَهَذِهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجَنَّةِ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَذَلِكَ غَايَةُ النَّعِيمِ وَأَعْلَى الْكَرَامَاتِ وَأَفْضَلُ فَضِيلَةٍ، وَلِذَا يَذْهَلُونَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ عَنْ كُلِّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَنُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَضْرَعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَدْعُوهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَنْ يَرْزُقَنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَنْ لَا يَحْجُبَنَا عَنْهُ فَنَكُونَ مِنَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ جَحَدَ الرُّؤْيَةَ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، مُكَذِّبٌ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ رَادٌّ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفٌ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَافِرٌ بِلِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُتَّبِعٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيُوَلِّيهِ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَيُصْلِيهِ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى جُحُودِهِ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ مَحْجُوبُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلَهُ: {تُكَذِّبُونَ} بِالرُّؤْيَةِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي وَعِيدِ مُنْكِرِي اللِّقَاءِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ مُنْكِرَ الرُّؤْيَةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِيهَا سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِيهِ سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، فَيَلْقَى الْعَبْدَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا استطاع. فيقول: ههنا إِذًا. ثُمَّ يُقَالُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ. فَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ».وَمِنْ تَرَاجِمِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ بَابُ وَعِيدِ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ وَاضِحَةٌ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي دَارِ الْآخِرَةِ. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَحْثُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
|